إدارة الشئون الفنية
القول على الله بلا علم

القول على الله بلا علم

17 يناير 2020

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 22 من جمادى الأولى 1441هـ - الموافق 17 / 1 / 2020م

الْقَوْلُ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ:

لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا كِتَابَهُ الْمُبِينَ نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ، مَنْ أَخَذَ بِهِ نَجَا، وَمَنْ تَرَكَهُ ضَلَّ وَغَوَى؛ قَالَ تَعَالَى: )وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ  (  [الأنعام:155]، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ الْكَرِيمَ فَبَلَّغَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، وَأَوْضَحَ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ الْمَحَجَّةَ، وَتَرَكَنَا عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يُزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، قَالَ تَعَالَى: )فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا   ( [النساء:65]، وَأَمَرَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَخْذِ بِهِمَا وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِمَا، وَبِنَاءِ الْمُعْتَقَدَاتِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ عَلَى ضَوْئِهِمَا؛ قَالَ تَعَالَى: )إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( [النور:51]، وَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى بِالرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَسُؤَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَأَخَذُوا بِالْمِيرَاثِ النَّـبَوِيِّ، وَأَفْتَوْا بِشَرْعِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ، لَمْ يُقَدِّمُوا آرَاءَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ عَلَى كِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْتُّـقَى وَبَيْنَ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْهَوَى، ) فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  ( [النحل:43].

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَخْطَرِ الْمَعَاصِي الْمُهْلِكَاتِ: الْقَوْلَ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِلَا عِلْمٍ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الرُّجُوعَ إِلَى الْحَقِّ وَالدَّلِيلِ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ أَشَدَّ التَّحْرِيمِ الْقَوْلَ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ، فَلَا يُقَالُ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، فَكَمْ سُفِكَتْ مِنْ دِمَاءٍ، وَانْتُهِكَتْ مِنْ أَعْرَاضٍ، وَاسْتُحِلَّتْ مِنْ أَمْوَالٍ بِسَبَبِ الْقَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ، وَالْجُرْأَةِ فِي الْفَتْوَى دُونَ الرُّجُوعِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَسُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ ذَلِكَ!!، قَالَ تَعَالَى: )قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ  ( [الأعراف:33]، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (فَرَتَّبَ الْمُحَرَّمَاتِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ، وَبَدَأَ بِأَسْهَلِهَا وَهُوَ الْفَوَاحِشُ، ثُمَّ ثَنَّى بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ وَهُوَ الْإِثْمُ وَالظُّلْمُ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْهُمَا وَهُوَ الشِّرْكُ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ رَبَّعَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ، وَهَذَا يَعُمُّ الْقَوْلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِلَا عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَفِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  ( [النحل:116-117]، فَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ سُبْحَانَهُ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَوْلِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ: هَذَا حَرَامٌ، وَلِمَا لَمْ يُحِلَّهُ: هَذَا حَلَالٌ، وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ إلَّا بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَلَّهُ وَحَرَّمَهُ).

عِبَادَ اللهِ:

وَلِعِظَمِ إِثْمِ الْقَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ ذَمَّ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَشَدَّ الذَّمِّ مَنْ يَنْسِبُ إِلَيْهِ وَإِلَى شَرْعِهِ وَدِينِهِ وَنَبِيِّهِ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ؛ قَالَ تَعَالَى: ) وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  ( [آل عمران: 78] وَقَالَ تَعَالَى: )فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ  ( [البقرة:79] فَكُلُّ مَنْ قَالَ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ بِلَا عِلْمٍ فَلَهُ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ هَذَا الذَّمِّ.

وَمِنَ الْقَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عَلْمٍ الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ« [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَقَدْ كَانَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالصَّحَابَةُ الْأَكْرَمُونَ وَعُلَمَاءُ الْأُمَّةِ الرَّاسِخُونَ مَعَ عِلْمِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ وَوَرَعِهِمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ خَوْفًا مِنَ الْقَوْلِ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَشَرْعِهِ بِلَا عِلْمٍ، فَلَا يُحْصَى قَوْلُهُمْ:( لَا أَدْرِي) لِمَا لَا يَعْلَمُونَ؛ يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللهُ: (لَقَدْ أَدْرَكْتُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنَ الأَنْصَارِ وَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ إِلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ الْحَدِيثَ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ فُتْيَا إِلَّا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ الْفُتْيَا) [رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ].

فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ، وَنَسِيرَ عَلَى خُطَاهُمْ؛ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: لَا أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، )قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ( [ص:86]) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

 

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ مَنْ يُفْتِي فِي شَرْعِ اللهِ بِلَا حُجَّةٍ وَبَيَانٍ، وَيَقُولُ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ وَبُرْهَانٍ عَلَيْهِ إِثْمُهُ وَإِثْمُ مَنْ أَفْتَاهُ وَهُوَ يَتَحَمَّلُ آثَارَ هَذِهِ الْفَتْوَى وَيُسْأَلُ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: )لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ  ( [النحل:25]، فَلَمَّا كَانَ بِجُرْأَتِهِ عَلَى الْقَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ سَبَبًا لِضَلَالِ مَنْ أَفْتَاهُ كَانَ عَلَيْهِ إِثْمُ ضَلَالِهِ حِينَ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَإِثْمُ إِضْلَالِهِ لِخَلْقِ اللهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ حَذَّرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ مِنَ الْمُتَصَدِّرِينَ بِجَهْلٍ، وَالْمُتَسَتِّرِينَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُمْ أَهْلُ ضَلَالٍ وَانْحِرَافٍ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: »إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا« [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

 فَعَلَيْكُمْ- عِبَادَ اللهِ- بِالرُّجُوعِ إِلَى الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ أَهْلِ التُّقَى وَالْوَرَعِ وَالدِّينِ، وَاحْذَرُوا أَهْلَ الْجَهْلِ وَالْمُبْتَدِعِينَ، وَاحْذَوُرا مِنَ الْقَوْلِ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ تَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: )وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا   ( [الإسراء:36].

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً مَزِيدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.

مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ:

إِنَّ لِلْقَوْلِ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِلَا عِلْمٍ صُوَرًا كَثِيرَةً وَأَنْوَاعًا عَدِيدَةً، وَكُلَّمَا كَانَ أَثَرُهَا أَخْطَرَ عَلَى دِينِ الْمُسْلِمِ وَنَفْسِهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ كَانَ إِثْمُهَا أَكْبَـرَ وَجُرْمُهَا أَعْظَمَ، وَمِنْ ذَلِكَ: الْقَوْلُ بِلَا عِلْمٍ فِي أَبْوَابِ الِاعْتِقَادِ وَتَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ فِي تَشْرِيعِ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ، وَالتَّسَاهُلُ فِي تَكْفيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْفَتْوَى فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، كَأُمُورِ الْجِهَادِ وَغَيْرِهَا، وَالتَّسَاهُلُ فِي تَحْلِيلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَجْوِيزِ الْمُنْكَرَاتِ، أَوِ الْإِفْتَاءِ فِي الْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ بِدُونِ عِلْمٍ، فَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَيُحَرِّمُونَ  مَا أَحَلَّ اللهُ مِنَ الْأَمْوَالِ.

وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ: مَا يَكُونُ لَهُ أَثَرٌ فِي انْتِهَاكِ الْأَعْرَاضِ الْمُحَرَّمَةِ، كَالتَّسَاهُلِ فِي الْفَتْوَى فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْعِدَّةِ؛ فَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: (مَا لَكَ لَا تَقُولُ فِي الطَّلَاقِ شَيْئًا؟) قَالَ: (مَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا قَدْ سُئِلْتُ عَنْهُ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُحِلَّ حَرَامًا أَوْ أُحَرِّمَ حَلَالًا).

وَمِنَ الْقَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ: التَّسَاهُلُ فِي نَشْرِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَنْتَشِرُ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ وَغَيْرِهَا، فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ التَّثَبُّتُ وَالسُّؤَالُ قَبْلَ النَّشْرِ وَالْإِرْسَالِ؛ فَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ« [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

فَاحْذَرُوا – عِبَادَ اللهِ- مِنِ اقْتِحَامِ الْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَتَوَرَّعُ عَنِ الْكَلَامِ فِي الشَّرْعِ وَالدِّينِ بِلَا عِلْمٍ، وَيُفَسِّرُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ بِلَا فَهْمٍ، وَهَؤُلَاءِ لَا شَكَّ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ وَيَلْحَقُهُمْ إِثْمٌ جَسِيمٌ، فَكَمَا أَنَّ أُمُورَ الدُّنْيَا لَهَا أَهْلُهَا وَالْمُخْتَصُّونَ بِهَا، فَكَذَلِكَ أَمْرُ الدِّينِ لَهُ أَهْلُهُ وَالْمُخْتَصُّونَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، [وَيَزْدَادُ الْأَمْرُ سُوءًا وَخُطُورَةً إِذَا جَمَعَ إِلَى قَوْلِهِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ تَهَكُّمَهُ وَسُخْرِيَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِنْ آرَائِهِمُ الَّتِي بَنَوْهَا عَلَى الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا الِاسْتِهْزَاءُ فِي حَقِيقَتِهِ يَرْجِعُ إِلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى وَشَرْعِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ) قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ( [التوبة:65-66].

   اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَى سُنَّتِهِ، وَأَمِتْنَا عَلَى مِلَّتِهِ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ، وَاجْعَلِ الْخِزْيَ وَالْعَارَ، وَالْهَلَاكَ وَالْبَوَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ هَدْيَ شَرِيعَتِهِ، وَاسْتَمَاتَ فِي بُغْضِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَلْبِسْهُمَا لِبَاسَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني